
التعليم في سوهاج: أزمات متراكمة وحلول غائبة
بقلم؛ محمد عابدين
رغم الجهود المبذولة لتطوير المنظومة التعليمية، لا يزال التعليم في سوهاج يعاني من مشكلات متراكمة تعرقل تقدمه وتؤثر بشكل مباشر على مستقبل الأجيال. التعليم لم يعد مجرد ملف خدمي، بل هو العمود الفقري لبناء الدولة الحديثة، وبدونه تنهار الأمم وتتراجع المجتمعات.
ولذا، يضع الرئيس عبد الفتاح السيسي ملف التعليم على رأس أولويات الدولة، ويحرص بشكل واضح على دعم وتنمية هذه المنظومة الحيوية باعتبارها الأساس في بناء الإنسان المصري.
فمن المدارس التي تعاني من نقص حاد في عدد المدرسين إلى البنية التحتية المتهالكة، مرورًا بغياب القيم التربوية في المناهج، أصبح الوضع التعليمي في المحافظة بحاجة إلى تدخل عاجل وحلول جذرية قبل أن تتفاقم الأزمة أكثر.
النقص الكبير في أعداد المعلمين بات مشكلة تؤثر على جودة التعليم، حيث تجد بعض المدارس في سوهاج نفسها غير قادرة على توفير مدرس لكل مادة، مما يدفع بالإدارات إلى تكليف المعلمين بتدريس مواد خارج تخصصاتهم أو الاعتماد على الحصص المشتركة، وهو ما ينعكس سلبًا على مستوى التحصيل العلمي للطلاب.
في بعض المناطق، يصل الأمر إلى وجود مدرسة كاملة بعدد قليل جدًا من المدرسين، مما يجعل الفصول مزدحمة وغير منظمة، ويحد من قدرة الطلاب على الفهم والاستيعاب، بينما يضطر المعلم إلى بذل مجهود مضاعف دون نتائج فعلية. في ظل هذا العجز، أصبح الاعتماد على الدروس الخصوصية هو الخيار الوحيد أمام الطلاب، حيث لم تعد المدرسة هي المصدر الرئيسي للتعليم، بل مجرد مكان للحضور الإجباري دون فائدة حقيقية.
الدروس الخصوصية تستهلك دخل الأسر، وتجعل التعليم عبئًا ماليًا كبيرًا، حيث يلجأ الأهالي إلى الاستدانة أحيانًا لضمان حصول أبنائهم على مستوى تعليمي لائق. هذه الظاهرة لا تؤثر فقط على الأسر، بل تجعل الفجوة التعليمية تتسع بين الطلاب القادرين على دفع تكاليف الدروس وبين غيرهم الذين يكتفون بما تقدمه المدارس من تعليم محدود أو غير كافٍ.
إلى جانب أزمة نقص المعلمين، هناك مشكلات أخرى لا تقل خطورة، أبرزها تهالك المباني المدرسية في بعض المراكز، حيث توجد مدارس تحتاج إلى ترميم فوري بسبب حالتها المتردية التي تعرض حياة الطلاب للخطر.
في بعض القرى، لا توجد مدارس كافية، مما يضطر الأطفال إلى قطع مسافات طويلة يوميًا للوصول إلى مدارسهم، وهو ما يؤثر سلبًا على تركيزهم وقدرتهم على التحصيل الدراسي، بل يدفع بعضهم إلى ترك التعليم نهائيًا.
المشكلة لا تتوقف عند هذا الحد، بل تمتد إلى المناهج الدراسية التي تحتاج إلى إعادة نظر حقيقية، إذ أصبح التركيز منصبًا على الجانب الأكاديمي فقط دون الاهتمام بالجوانب التربوية والأخلاقية. لم تعد القيم التي تربى عليها الأجيال السابقة حاضرة بقوة في المناهج، وأصبح التعليم يركز على الحفظ والتلقين دون تنمية مهارات التفكير والنقاش.
اختفت المواد التي تعزز الوعي الديني والأخلاقي، ولم يعد هناك اهتمام حقيقي بتعليم الطلاب كيفية التعامل مع الآخرين أو فهم مسؤولياتهم تجاه المجتمع، مما ساهم في خلق جيل يفتقر إلى المبادئ الأساسية التي تحافظ على الترابط الاجتماعي والأخلاقي.
ومن جانب آخر، تعاني بعض المدارس في القرى من إدارات غير مؤهلة على الإطلاق، فهناك مديرون يفتقرون إلى مقومات القيادة وشخصية الإدارة، وآخرون لا يعرفون شيئًا عن أسس العمل الإداري، ومنهم من جاء إلى موقعه بالواسطة لا بالكفاءة، مما يتسبب في حالة من التسيب وفقدان السيطرة داخل المدرسة، سواء على المعلمين أو على الطلاب.
والنتيجة واقع كارثي؛ طلاب في المرحلة الإعدادية بالترم الاول، درجاتهم تبدأ من صفر، وهناك من حصل على نصف درجة فقط، وآخرون سجلوا درجة ونصف أو ثلاث درجات ونصف! والله إنه لأمر مؤسف ومخجل. في ظل هذه الأزمات، تبدو الحاجة إلى حلول عاجلة وواقعية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
لا يمكن النهوض بالتعليم في سوهاج دون تعيين عدد كافٍ من المعلمين لسد العجز، وإعادة تأهيل المدارس التي تعاني من مشكلات إنشائية خطيرة، وتطوير المناهج الدراسية بحيث تصبح أكثر توافقًا مع احتياجات العصر دون إغفال الجوانب التربوية.
كما أن هناك ضرورة ملحة لوضع سياسات تحد من انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، من خلال تحسين جودة التعليم داخل المدارس بحيث لا يكون الطالب مضطرًا للجوء إليها. إذا استمرت هذه المشكلات دون حلول حقيقية، فإن مستقبل الأجيال القادمة سيكون مهددًا، والتعليم في سوهاج سيظل في تراجع مستمر.
لا يمكن تحقيق نهضة تعليمية حقيقية دون الاهتمام بالمدرسة كبيئة متكاملة تشمل التعليم والتربية معًا، ودون توفير الإمكانيات التي تساعد الطلاب على التعلم في ظروف مناسبة. الحلول متاحة، لكن الإرادة الحقيقية لتنفيذها هي ما تحتاجه سوهاج اليوم… قبل أن تصبح الأزمة أكثر ترقيد.
Average Rating