Advertisement Section
Header AD Image

نحن والأخلاق… أزمة تهدد المجتمع

Read Time:2 Minute, 49 Second

كتبت/ شيماء المنتسل

الأخلاق هي الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الأمم، وهي الضمانة الحقيقية لاستمرار المجتمعات وحمايتها من الانهيار. لكن في السنوات الأخيرة، شهدنا تراجعًا أخلاقيًا غير مسبوق، حتى أصبح الأمر أشبه بوباء يجتاح المجتمع، مهددًا كل القيم والمبادئ التي تربينا عليها. لم يعد الانحراف الأخلاقي مجرد حالات فردية، بل أصبح ظاهرة مجتمعية تُنذر بالخطر، حيث تراجعت القيم النبيلة مثل الأمانة والصدق والشرف، لتحل محلها الأنانية والخداع والانتهازية.

وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا رئيسيًا في تفاقم هذه الأزمة. فقد أصبحت منصات السوشيال ميديا سلاحًا ذو حدين، فبينما كانت وسيلة للتواصل ونشر المعرفة، تحولت إلى أداة لترويج السلوكيات الهدامة، حيث تصدرت المشهد شخصيات لا تحمل أي قيم، ووجدنا أنفسنا أمام جيل يتأثر بالمحتوى التافه أكثر من تأثره بالقيم الأصيلة. انتشار هذه النماذج خلق حالة من اللامبالاة الأخلاقية، حيث بات البعض يعتبر الاحتيال ذكاءً، والخيانة مهارة، والكذب وسيلة للنجاح.

غياب الوازع الديني والتربوي كان أيضًا أحد العوامل المؤثرة في تراجع الأخلاق. فقد أصبحت التربية داخل المنازل تركز فقط على النجاح المادي، متجاهلة أهمية بناء شخصية متزنة تحمل القيم والمبادئ. المدارس أيضًا لم تعد تهتم بترسيخ الأخلاق كما كان في الماضي، بل بات التعليم يركز على التحصيل الدراسي فقط، متجاهلًا دوره في غرس القيم النبيلة. ومع تراجع دور الأسرة والمدرسة، أصبح الشباب يتلقون قيمهم من الإنترنت والإعلام، حيث لا رقابة ولا توجيه.

القدوة الصالحة لم تعد موجودة كما في السابق. ففي الماضي، كان هناك رموز يُحتذى بها، سواء في الأسرة أو في المجتمع. أما اليوم، فقد أصبحت النماذج السلبية تهيمن على المشهد، حيث يتم تسليط الضوء على الفاسدين والمحتالين وكأنهم أبطال، بينما يتم تهميش الشخصيات التي تمثل القيم الحقيقية. هذا الواقع خلق حالة من الارتباك لدى الأجيال الجديدة، فلم يعودوا قادرين على التمييز بين الصواب والخطأ، وبين الناجح حقًا والمخادع الذي يصعد بطرق غير مشروعة.

التحديات الاقتصادية والاجتماعية لعبت دورًا أيضًا في تفاقم هذه الأزمة. فحين يواجه الإنسان ضغوطًا معيشية قاسية، قد يلجأ إلى طرق غير أخلاقية لتأمين احتياجاته. الفجوة الكبيرة بين الأغنياء والفقراء زادت من الشعور بالإحباط واليأس، مما دفع البعض إلى التخلي عن القيم والمبادئ في سبيل تحقيق طموحاتهم بأي وسيلة كانت، بغض النظر عن مشروعيتها.

نتيجة لهذا التدهور الأخلاقي، ارتفعت معدلات الجريمة بشكل ملحوظ. فكلما ضعفت القيم، زادت حالات السرقة، والنصب، والاعتداءات، مما أدى إلى شعور عام بانعدام الأمان. العلاقات الاجتماعية تأثرت أيضًا، فبدأت الأسرة تتفكك، وتراجعت مشاعر الترابط بين الأفراد، حيث أصبحت المصالح الشخصية فوق أي اعتبار. لم يعد هناك احترام لكبير، ولا رحمة لصغير، وكأن المجتمع يسير في طريق مجهول لا نعرف أين سينتهي.

التصدي لهذه الأزمة الأخلاقية يتطلب جهدًا جماعيًا، يبدأ من الأسرة، التي يجب أن تعيد تربية أبنائها على القيم الأصيلة، مرورًا بالمدارس التي عليها أن تدمج التربية الأخلاقية في مناهجها، وصولًا إلى الإعلام الذي يتحمل مسؤولية كبيرة في تقديم محتوى هادف يرسّخ القيم الإيجابية. على الدولة أيضًا أن تتدخل بوضع قوانين صارمة تجرّم نشر المحتوى الهابط، وتفرض عقوبات على كل من يروج للانحلال الأخلاقي بأي شكل من الأشكال.

كل فرد في المجتمع مسؤول عن إيقاف هذا الانحدار، فالأخلاق ليست مجرد كلمات تردد، بل سلوك يُمارس في كل لحظة من حياتنا. علينا جميعًا أن نكون قدوة حسنة، وأن نحمل رسالة إصلاح، لأن إصلاح المجتمع يبدأ من إصلاح أنفسنا. إذا استمررنا في تجاهل هذه الأزمة، فلن نفيق إلا على مجتمع فقد كل قيمه، وعندها سيكون الأوان قد فات. نسأل الله أن يهدينا جميعًا إلى طريق الصواب، وأن يعيد لمجتمعنا أخلاقه وقيمه قبل أن نفقد كل شيء.

About Post Author

admin

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post تمام: يكرّم المتفوقين في مسابقة أوائل الطلبة بمدارس قطاع الدويرات التعليمي
Next post حملة مكبرة شنتها الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بالبحيرة و مطروح