
لماذا لا تستطيع أمريكا الدخول في حرب مع مصر؟
بقلم/ زكريا جلاب
على مدار العقود الماضية، ظلت العلاقات بين مصر والولايات المتحدة قائمة على التعاون الاستراتيجي، رغم بعض التباينات في وجهات النظر السياسية. لكن عندما يتعلق الأمر بالحديث عن مواجهة عسكرية بين البلدين، فإن الأمر يبدو مستبعدًا تمامًا، سواء في عهد الرئيس الأمريكي الحالى دونالد ترامب أو أي رئيس آخر. فهناك عدة عوامل رئيسية تجعل من غير المنطقي أن تدخل الولايات المتحدة في حرب مع مصر.
يعد الجيش المصري أحد أقوى الجيوش في الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث يتمتع بقدرات عسكرية متطورة تشمل أنظمة دفاع جوي حديثة، سلاح جو قوي، وقوات بحرية تمتلك قدرات استراتيجية تؤمن مصالح البلاد في البحرين الأحمر والمتوسط. وفقًا للتصنيفات العالمية، يحتل الجيش المصري مرتبة متقدمة عالميًا من حيث العدد والتسليح والخبرة القتالية. هذا يجعل أي مواجهة عسكرية مع مصر مكلفة جدًا، حتى بالنسبة لدولة عظمى مثل الولايات المتحدة.
تلعب مصر دورًا محوريًا في المنطقة، وهي بمثابة حلقة الوصل بين العالم العربي وإفريقيا وأوروبا. تمتلك الولايات المتحدة مصالح استراتيجية في مصر، أبرزها التعاون في مكافحة الإرهاب، حيث تتعاون القاهرة وواشنطن في جهود مكافحة الجماعات الإرهابية، خاصة في سيناء والمنطقة العربية. كما أن لمصر تأثيرًا إقليميًا كبيرًا، فهي دولة مؤثرة في الملفات الإقليمية، مثل القضية الفلسطينية والأزمة الليبية وأمن البحر الأحمر. يضاف إلى ذلك الأهمية البالغة لقناة السويس، التي تُعد ممرًا ملاحيًا عالميًا تمر عبره نسبة كبيرة من التجارة العالمية، بما فيها الشحنات الأمريكية. أي مواجهة عسكرية مع مصر قد تعرض هذه المصالح للخطر، وهو أمر لا ترغب فيه الإدارة الأمريكية.
تعتبر معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، التي تم توقيعها عام 1979، واحدة من أهم الركائز التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في استراتيجيتها بالشرق الأوسط. فالمعاهدة لم تؤدِ فقط إلى استقرار العلاقات المصرية-الإسرائيلية، بل كانت أيضًا نموذجًا لعلاقات سلمية يمكن أن تؤثر على باقي المنطقة. إذا دخلت واشنطن في صراع مع القاهرة، فإن ذلك قد يهدد استقرار المنطقة بالكامل، ويفتح الباب أمام أزمات قد تمتد إلى إسرائيل ودول أخرى.
مصر ليست دولة معزولة، بل لديها تحالفات عربية وإفريقية قوية، كما أنها عضو فاعل في المنظمات الدولية والإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية. أي هجوم أمريكي على مصر قد يؤدي إلى تصعيد إقليمي، وربما يدفع بعض الدول الحليفة لمصر إلى اتخاذ مواقف معادية للولايات المتحدة، مما قد يضر بمصالح واشنطن في المنطقة على المدى الطويل.
على الرغم من بعض الخلافات السياسية بين البلدين في بعض الفترات، إلا أنه لا يوجد سبب حقيقي يدفع الولايات المتحدة إلى الدخول في حرب مع مصر. العلاقات بين البلدين تشمل تعاونًا اقتصاديًا وعسكريًا، والولايات المتحدة تقدم مساعدات عسكرية لمصر ضمن اتفاقيات التعاون المشترك. حتى في عهد ترامب، الذي كان يتخذ مواقف حادة تجاه بعض الدول، لم يكن هناك أي مؤشر على نية التصعيد العسكري مع مصر.
خلال فترة حكمه الاولى، كان دونالد ترامب يميل إلى استخدام الضغط الاقتصادي والعقوبات بدلاً من التدخل العسكري المباشر. فقد كان تركيزه منصبًا على تقليل التورط العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، وسحب القوات من عدة دول. وبالتالي، لم تكن مصر ضمن أولوياته من حيث أي تصعيد عسكري.
أي حديث عن مواجهة عسكرية بين مصر والولايات المتحدة هو أمر غير واقعي، ليس فقط بسبب القوة العسكرية لمصر، ولكن أيضًا بسبب المصالح الأمريكية في الحفاظ على استقرار المنطقة، ومعاهدة السلام مع إسرائيل، وتحالفات مصر الإقليمية. العلاقات بين البلدين قائمة على التعاون والمصالح المشتركة، وليس الصراع، وهو ما يجعل احتمال الحرب بينهما غير وارد في أي سيناريو منطقي.
Average Rating