من تونس الخضراء إلى القلعة الحمراء
سوهاج/ رضوى البدرى
في زمنٍ قلّ فيه الوفاء داخل ملاعب كرة القدم، بزغ نجمٌ لم يَخطف الأضواء بموهبته فقط، بل بشخصيته وانتمائه وأخلاقه. جاء من تونس الخضراء، متوَّجًا على الجبهة اليسرى، فصار أيقونةً خالدة لجماهير الأهلي، ورمزًا للعطاء الذي لا يعرف حدودًا. إنه علي معلول، الذي كتب رحلته من شوارع صفاقس إلى منصات التتويج في القاهرة، لا بالأهداف وحدها، بل بالدموع والإصرار، وبالفرحة التي يُهديها للجماهير مع كل تمريرة ساحرة أو هدف قاتل.
وُلد علي في مدينة صفاقس، حيث الكرة ليست مجرد رياضة، بل نمط حياة. حمل حلمًا بسيطًا، أن يصبح لاعب كرة قدم، ثم نما ذلك الحلم حتى صار قدرًا مكتوبًا في قلب طفل عشق الساحرة المستديرة منذ نعومة أظافره. لم يكن يملك حذاءً رياضيًا مناسبًا حين بدأ أولى خطواته، لكن أمًا عظيمة قررت أن تبيع قطعة من ذهبها لتشتري له أول حذاء كروي. لم تكن تلك الهدية مجرّد شيء مادي، بل كانت شرارة انطلاق حلمٍ عظيم. احتضن علي الحذاء ونام به في تلك الليلة، كأنه كنزٌ لا يُقدَّر بثمن، لأنه لم يكن يرى فيه جلدًا، بل كان يرى فيه مستقبله.
التحق بأكاديمية نادي الصفاقسي وبدأ رحلته بخطى ثابتة. لم يكن الأفضل في بداياته، ولا الأسرع، لكنه كان الأذكى، والأكثر تركيزًا، والأشد رغبة في التطور. لعب في الفريق الأول وهو لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره، وكان في قلبه وعدٌ لوالدته أن يجعلها فخورة كما جعلته يؤمن بنفسه منذ البداية. في سنواتٍ قليلة، أصبح اسمًا محببًا لجماهير نادي الصفاقسي، لكنه كان يدرك أن الحلم لا يتوقف عند حدود الوطن، وأنه آن الأوان لخوض تحدٍّ أكبر.
في صيف 2016، انتقل إلى النادي الأهلي، نادي القرن الإفريقي، النادي الأكثر تتويجًا بالبطولات على مستوى العالم. لم يأتِ كلاعب عادي، بل جاء كمقاتل يحمل في قلبه دعاء أم وضعت ذهبها أملًا في مستقبله. منذ أول لحظة، لم يكن مجرد صفقة، بل كان إضافةً حقيقية، أثبت وجوده سريعًا بفضل لمساته السحرية، وروحه القتالية، وتمريراته الحاسمة التي صنعت الفارق في كل مباراة، فصار معشوقًا للجماهير. كتبوا عنه، وغنّوا له، وهتفوا باسمه، مرددين أن “تونس لم تُرسل لاعبًا… بل منحت الأهلي مَلكًا على الجبهة اليسرى.”
لم يخيّب معلول ظن من آمنوا به، ولم ينسَ يومًا من صنع منه نجمًا. في كل مباراة، يحمل معه دعاء والدته، ويقاتل كأنها آخر فرصة له في الحياة. علاقة الحب المتبادل بينه وبين جماهير الأهلي لا تعرف الرحيل، منذ اللحظة الأولى أصبح جزءًا من عائلة النادي، ليس مجرد محترف أجنبي، بل رمز من رموزه يُعامل كأحد أبنائه. أحبّ فيه جمهور الأهلي الوفاء قبل المهارة، والرجولة قبل الأهداف، فصار كلما لمس الكرة علت الهتافات باسمه، وكلما سقط، ارتجفت القلوب عليه. ظل وفيًا للفانلة الحمراء، رافضًا الرحيل رغم الإغراءات المالية الضخمة، واختار البقاء حيث بدأ حب الجماهير يكبر معه يومًا بعد يوم.
سجّل أكثر من خمسين هدفًا بقميص الأهلي، وحقق معه أربع بطولات لدوري أبطال إفريقيا، وشارك في أكثر من نسخة لكأس العالم للأندية، وكان أول من هزّ شباك ريال مدريد بهدفٍ لا يُنسى. لكنّ تأثيره الأكبر تجلّى في صناعته للأهداف، إذ قدّم أكثر من ثمانين تمريرة حاسمة لزملائه، ليُصبح أفضل ظهير أيسر في تاريخ الأهلي، ويضيف فصلًا جديدًا من المجد للنادي الأكثر تتويجًا في العالم.
علي معلول ليس مجرد لاعب، بل قصة تُروى بحبر التضحية وتوقيع الوفاء. بدأت بجزمة اشترتها أم باعت ذهبها، وتحوّلت إلى مسيرة نجم تتغنّى به الجماهير، ويُضرب به المثل في الإخلاص والاحتراف. هو الملك الذي تُوِّج بالبطولات مع الأهلي، وما زال الحلم مستمرًا، فكل مباراة جديدة يكتب فيها سطرًا إضافيًا في أسطورته، سطرًا لم يُكتب بعد، لأن علي معلول ببساطة… لم يقل كلمته الأخيرة.

Average Rating