النوم وتأثيره على خلايا الدماغ
المنيا _ أسلمان فولى
هل تعلم أن النوم والاستيقاظ ليسا مجرد عادتين يوميتين، بل هما معجزتان عصبيتان تحدثان بتنسيق دقيق داخل الدماغ؟ يعتقد الكثيرون أن النوم يعني توقف الدماغ عن العمل، لكن الحقيقة أن الدماغ يغيّر نمط نشاطه خلال النوم، ويقوم بعمليات معقدة لا تزال الأبحاث تكتشف جوانبها يومًا بعد يوم.
النوم ليس رفاهية، بل ضرورة حيوية لكل الكائنات الحية، وخاصة الإنسان. فخلال النوم، تحدث عمليات ترميم وتنظيم لوظائف الجسم، ويتم إعادة ضبط الجهاز العصبي.
وقد ثبت أن قلة النوم في مرحلة الطفولة تؤثر سلبًا على نمو الدماغ، وقد تتسبب في ضعف الروابط العصبية، وتؤدي إلى مشاكل في السلوك والذاكرة والانتباه، دون أن يصل الأمر بالضرورة إلى موت الخلايا العصبية بشكل دائم، إلا في حالات نادرة وتحت ظروف قاسية.
تبدأ عملية تحديد وقت النوم من نواة عصبية صغيرة تُسمى “النواة فوق التصالبية” (Suprachiasmatic nucleus)، تقع في منطقة تحت المهاد، فوق العصب البصري. تراقب هذه النواة تغير الضوء في البيئة، وعند حلول الظلام، ترسل إشاراتها إلى الغدة الصنوبرية، التي تبدأ في إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن الشعور بالنعاس.
في الوقت نفسه، يشارك الجهاز الشبكي المنشط (Reticular Activating System – RAS) في تنظيم عملية النوم واليقظة من خلال تنشيط أو تثبيط مراكز معينة في الدماغ، دون أن يُفرز هرمونات بحد ذاته. يساعد هذا النظام في فلترة المنبهات الحسية مثل الأصوات واللمسات، بحيث لا تزعج النائم إلا إذا كانت قوية أو غير معتادة، كصوت المنبه أو طرق الباب.
أما خلال مرحلة نوم حركة العين السريعة (REM sleep)، وهي المرحلة التي تحدث فيها معظم الأحلام، يقوم الدماغ بإرسال إشارات تُثبِّط حركة العضلات إراديًا، وهي عملية ضرورية لحماية النائم من الحركة أثناء الحلم. تتم هذه العملية من خلال مناطق معينة في جذع الدماغ.
أي خلل في هذا النظام العصبي الدقيق قد يؤدي إلى اضطرابات نوم مثل الأرق أو اضطرابات أكثر خطورة مثل النوم القهري، وفي حالات نادرة، قد يؤدي تلف جذع الدماغ إلى غيبوبة.
أظهرت دراسات حديثة أن النوم يلعب دورًا حيويًا في إزالة الفضلات العصبية من الدماغ. خلال النوم، يتقلص حجم الخلايا العصبية، مما يسمح للسائل الدماغي الشوكي بالتدفق بشكل أكثر فعالية بين الخلايا، وبالتالي إزالة البروتينات السامة مثل بيتا-أميلويد، المرتبطة بمرض الزهايمر.
تشير الأبحاث أيضًا إلى أن الحرمان من النوم يمكن أن يؤدي إلى تلف في الخلايا العصبية، خاصة في منطقة الحُصين (hippocampus)، المسؤولة عن التعلم والذاكرة. كما أن قلة النوم قد تُضعف التواصل بين الخلايا العصبية، مما يؤثر سلبًا على التركيز والقدرة على معالجة المعلومات.
وقد علّمنا النبي ﷺ دعاءً عظيمًا يعكس الوعي الإيماني بأهمية هذه النعمة:
*”اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور.”*
فسبحان الخالق الذي أودع في دماغ الإنسان هذه المنظومة العصبية المعقدة، التي تعمل بلا انقطاع، فتمنحنا نعمة النوم واليقظة دون جهد منا أو إدراك.

Average Rating